يمكن ان يقال الكثير من الامور حول ما آلت اليه نتيجة الحرب التي استعرت بين حزب الله واسرائيل على مدى نحو شهرين، بعد اكثر من سنة من المناكفات والاشتباكات الخفيفة المحدودة، وادى كل ذلك الى الوصول الى اتفاق اختلفت تسميته، الا انه انهى الحرب الشرسة التي اندلعت، وشغلت العالم اجمع.

لا يصح الكلام عن هزيمة حزب الله في هذه الحرب، ولكن في المقابل، قد يكون من المبالغ فيه الحديث عن انتصار، على الرغم من الاصوات المعارضة لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الصادرة من الشارع الاسرائيلي، ومنها من يعتبر ان ما حصل يعتبر بمثابة هزيمة ونكسة.

ما يحصل من اعتداءات وخروقات للاتفاق من قبل الاسرائيليين ويواجه بصمت وترقب من حزب الله، دليل على ان الاتفاق الاخير لم يكن "سمنا وعسلاً" بالنسبة الى الحزب، ولكنه افضل الممكن، وقد تراجع الحزب بشكل كبير عن اسس كان حددها قبل الحرب، ومنها على سبيل المثال:

1-فصل المسارات، اذ كان الحزب يصرّ على ان المسار اللبناني مرتبط بالمسار الفلسطيني في غزة، وانه فور انجاز وقف اطلاق للنار في غزة، تهدأ الجبهة اللبنانية، الا ان ما حصل هو فصل المسارين، وقد استفزّ نتنياهو الحزب وحلفائه بالقول ان الاتفاق مع لبنان من شأنه ان يزيد تركيز الجيش الاسرائيلي على غزة.

في المقابل، كثرة الكلام عن قرب الوصول الى اتفاق في غزة، يعني عملياً ان نتنياهو بات غير قادر على المماطلة كثيراً في هذا المجال، وان المسألة "أينعت" وتنتظر الوقت المناسب للاعلان عن انهاء الحرب هناك.

2-عارض الحزب ومعه لبنان، دخول القوات الالمانية على خط اللجنة المشتركة، فيما عارضت اسرائيل دخول فرنسا، ومع تقديم باريس "جائزة ترضية" لنتنياهو قضت بعدم تنفيذ مضمون قرار المحكمة الجنائية الدولية لاعتبارات "واهية"، قبِل الاسرائيليون بالفرنسيين، بينما اصرّ الحزب على استبعاد المانيا (وهي التي كان لها الدور الفاعل في العام 2006 وما قبل من خلال دورها البارز في العمل كوسيط بين الطرفين حول تبادل الاسرى). لكن اللافت والبارز هو قبول الحزب، ليس انضمام الولايات المتحدة الى اللجنة، بل ترؤسها في خطوة غريبة، اذا ما اخذنا بالاعتبار النظرة المريبة للحزب الى اميركا ودورها في هذه الحرب تحديداً، وارتضى بكل ذلك متجاوزاً كل التحفظات والامتعاض من السياسة الاميركية وتأييدها المطلق لاسرائيل.

3-على الرغم من ان الاتفاق يستند في اساسه الى القرار 1701 الذي وافق عليه الحزب عام 2006، كان من المفاجئ قبوله بالملحقات والتفسيرات والشروط الموضوعة حول التشدد في تضييق الخناق عليه عسكرياً ومادياً، وهو امر من شأنه ان يضعفه بشكل كبير، بينما كان في العام 2006 اكثر راحة وليونة في التعاطي مع بنود القرار الدولي. وفيما يذهب الكثيرون الى القول ان الاتفاق، وفق التجارب السابقة، لن يعمّر طويلاً، الا ان هؤلاء انفسم يجزمون بأن هذه المرة سيحتاج الحزب الى سنوات اكثر بكثير كي يعيد بناء نفسه والصورة التي ظهر فيها بعد العام 2006 وحتى العام 2024.

وفيما يحسب للحزب انه نجح في الحفاظ على وجوده، بعد ان كان هدف نتنياهو وبعض الحلفاء انهاء حالته بشكل نهائي، يظهر وكأن الحزب لم ينتصر بل اضطر الى السير في اتفاق لا يرضيه تماماً، غير انه كفيل باعطائه بعض الراحة والوقت الكافي لوضع تصور وخطط سيعمل عليها بجهد ليعيد الصورة التي فقدها، ويرمم ما تصدّع. ويقول قريبون من حزب الله ان الفترة المقبلة والتي لن تكون قصيرة، ستكون محورية في تقديم الصورة الجديدة له بعد سنوات.